ركبت سيارتي و لا أعلم في أي اتجاه سأسير.
مالذي يحصل لي! و كيف خرجت من هذه الورطة بدون اي عقاب!! هل فعلا ساعدني ذلك الضرير!!
قررت أخيرا أن لا أفكر كثيرا و أن أفي بوعدي للرجل مهما كانت الطريقة فقد صدقني القول. أخرجت الورقة من جيبي و قرأت العنوان ثم اتجهت الى هناك. وصلت الى المكان وكان خاليا من الناس نزلت من السيارة لكنني لم أجد بيوتا او شقق بل يوجد فقط اشارة الى مقبرة قريبة. فتحت الورقة ثانية لأتأكد من العنوان و كان صحيحا و كان عليه اسم عائلة الحجاج. خطوت خطوات قليلة بحذر دخلت المقبرة فوجدت فيها ابوابا حديدية و على كل باب مكتوب اسم عائلة. اقتربت شيئا فشيئا فجأة سمعت صوتا من خلفي ينادي: هل تبحث عن شيء يا سيدي؟ توقف قلبي للحظة لقد كان حارس المقبرة فقلت: ابحث عن عائلة الحجاج. فقال تفضل من هنا و اشار الى باب حديدي اسود ثم أضاف هل تملك المفتاح؟ فقلت نعم. و اخرجت المفتاح و يدياي ترتعشان من الخوف! فمازلت لا اصدق ان هذا المفتاح هو الذي تحدث عنه الضرير. ادرت المفتاح داخل الباب ففتح! و ودعني الحارس واختفى بعيدا.
هممت بالدخول كان المكان موحشا للغاية وكان فيه قبران واحد منهم مان مفتوحا يثير الرعب. كان يملؤه الظلام و تخرج منه أصوات غريبة. اقتربت قليلا فاذا هي أصوات أنين طفل صغير.
ارتعبت قدماي لكنني تقدمت اكثر و قلت: من هناك؟ ايها الصبي لقد ارسلني والدك لآخذك معي فلا تخف. و فجأة سكت الصوت عن الأنين و رأيت خيالا يرتفع من الحفرة و يقترب و فجأة خرج صبي صغير بملابس رثة كان وجهه متعبا و قال بصوت خافت: هل فعلا ارسلك أبي؟ واين هو لماذا لم يأتي؟ فقلت له : نعم لقد ارسلني و سوف تبقى معي الى حين عودة والدك من السفر. فأقترب مني و أمسك بيدي. ثم خرجنا من ذلك المكان و اتجهنا نحو السيارة و في الطريق كان الولد يتفرج من النافذة فقلت: اتمنى ان ترتاح في البيت لكنني لل اسكن بمفردي للاسف فمعي شابان يشاركانني السكن لكن لا تقلق فهما لطيفين. لكن الولد لم يلتفت الي وواصل مشاهدة الطريق.
وصلنا الى البيت و قد انتصف النهار ولم نجد أحدا فقلا للولد أن عليه أن يستحم من هذا التراب الذي يغطيه ثم سوف أحضر له ما يأكل فاستجاب الي دون اي نقاش و دخل الحمام. في تلك الأثناء دخلت أنا الى المطبخ و جهزت الغداء. وعندما انتهيت من تجهيز الطاولة كان الولد قد خرج من الحمام و قد اشرق وجهه الجميل بالنظافة. فابتسمت له و دعوته للأكل. لم أتوقع أن يكون الولد بهذا الأدب و الهدوء فما أعرفه عن الأطفال كان مخالفا للغاية. لكنني شعرت بأنني محضوض به فأنا لا أطيق شقاوة الأطفال. و قد يكون هذا سبب عدم زواجي الى الآن. لكن السبب الرئيسي هو المال. فأنا لا أملك ما يكفيني قوت يومي. أشتغل في توصيل البيتزا للمنازل حتى السيارة ليست ملكي. وهاهو مدير المطعم يتصل بي لابد أنه استغرب تأخري في القدوم اليوم فأنا موضفه المثالي كما يقول.
صباح الخير سيدي آسف على تأخير انها ضروف طارئة سوف أكون في المطعم بعد ساعة بالظبط. و قفلت الهاتف و قلت للصبي: اكمل أكلك حتى أدخلك الى غرفتي يمكنك ان تشاهد التلفاز بصوت خافت لا أريد من الساكنين معي ان يعرفوا بقدومك و الا فسوف يجبراني على دفع نصيب أكبر من الإيجار. فأشار برأسه بالموافقة.
خرجت من البيت و لم يراودني قلق بشأن الولد فهو مطيع للغاية. كنت فقط اشفق عليه مما حدث له و اتساءل اذا كان فعلا والده قد قتل امه!! لكنني كنت واثقا من كلام الضرير و اتمنى ان يصدق القول ثانية و ان لا يتأخر عن ثلاثة ايام التي وعدني بها فأنا لست حملا لمصاريف جديدة.
وصلت الشغل و دخلت آخذ الطلبات المتأخرة لأوصلها الى أصحابها. هو عمل ليس بالشاق لكنه يتطلب السرعة و الصبر. فأحيانا اقابل ناسا لا تطاق لكن أحيانا أخرى أرى ناسا بشوشة و جميلة و اتمنى لو كنت فردا من عائلتهم. ناس تسكن في قصور فخمة و ناس في شقق شاهقة الارتفاع. هكذا أقضي يومي من عنوان الى عنوان. حتى آخر الليل. كان ذلك اليوم طويل و شاقا و قد كنت منهكا من قضاء الليلة في السجن. فعدت الى البيت وقد أكل التعب مني دخلت غرفتي ووجدت الصبي جالسا على كرسي جنب النافذة. تمددت على السرير و رحت في نوم عميق. لم أقصد ان انام ليلتها لكن التعب جعلني اغمض عيني دون مقاومة. كانت يدي تلمس الأرض فجأة احسست بشيء مبلل في يدي. اعتقد انني احلم! حركت يدي قليلا ومازال البلل موجودا! أهذا ماء أم ماذا! فتحت عيني بصعوبة لأجد الماء يتسرب من تحت باب الغرفة!! قفزت من السرير التفت لابحث عن الولد لكنه كان نائما بجواري ولم يتفطن الي. نزعت جواربي و رحت اسير بحذر لأتفقد مصدر تسريب الماء. كانت الشقة قد امتلأت بالماء اتحهت نحو الحمام وكان الباب مقفولا فطرقت الباب بشدة لكن لم يجبني أحد! رحت اطرق ابواب غرف زملائي في السكن فخرج اياد و هو مفزوع من منظر الماء. قلت له: الماء قادم من الحمام لكن الباب مقفول علينا كسره. فرحنا نظرب الباب ظربة واحدة بأقدامنا فانكسر الباب و خرجت موجة كبيرة من الماء حتى اننا سقطنا على الارض من شدتها. و لم نفء نقف حتى راعنا ماشاهدنا!! لقد كان عامر زميلنا الثاني في السكن و هو ممدد في حوض الاستحمام ووجهه شاحب و عيناه جاحضتان كأنه قد رأى شبحا!!! تقدمنا نحوه بسرعة لكنه كان قد فارق الحياة!!!
نظرت الى اياد و الرعب يملؤني و بادلني هو نفس النظرة المرعوبة! حاولنا سحب عامر من الماء كانت يداه متجمدتين من البرد و جسمه قد اصبح لونه ازوق! سحبت يدي من وراء راسه فخرجت مملوءة بالدماء!! صحت بقوة و ابتعدت بسرعة!! لم افهم مالذي حدث!!ياله من مشهد مروع! لم نستطع التفكير! فقط اكتفينا بالنظر اليه وكم كان على وجهه علامات خوف و في عينيه جحوظ لا يوصف!!
لم يكن امامنا سوى الاتصال بالاسعاف والشرطة وعندما وصلوا حملوا جثة عامر و عاينت الشرطة المكان و تحدثنا مع الضابط الذي بدأ بسؤالنا:هل رأيتم عامر يدخل الى الحمام و في أي ساعة؟ لكننا لم نراه فقد كان كل واحد منا في غرفته. ثم أضاف الضابط: على ما يبدو انه حادث حيث سقط الضحية على رأسه في الحوض ثم غرق في ماء الإستحمام لكن علينا إنتظار تقرير الطبيب الشرعي و عليكم عدم مغادرة البلد الى حين صدور التقرير.
لقد وصف الضابط الحادث بشكل منطقي لكنني لم أتقبل فكرة أن يسقط عامر سهوا فهذه ليست المرة الأولى التي يستحم فيها! لكن ربما هذا ماحدث فعلا. فجأة إقترب مني شرطي ووضع في جيبي ورقة قبل أن يخرج هو و كل موكب الشرطة و الإسعاف من البيت. استغربت كثيرا و رحت مسرعا أفتح الورقة فإذا بي أقرأ ما زاد من دهشتي: لا تحزن على صديقك فقد نال ما يستحق أراك بعد يومين الإمضاء رفيق الزنزانة!!