انتهينا من تنضيف الشقة ثم جلسنا انا واياد على المائدة و قد فقد كل منا القدرة على الكلام.
لقد كان يوما شاقا!
نضرت الى اياد و قلت: انا لا اصدق ما حدث لعامر! وضع راسه بين يديه كأنه لا يريد الحديث في الأمر. فقمت من مكاني و قلت: تصبح على خير! لكنه لم يتحرك من كرسيه و لم يجب بكلمة.
دخلت غرفتي بهدوء و كان الفتى يقف بجانب الحيط اتجهت نحوه فإذا به يكلم نفسه لم أفهم ما كان يقول! فإقتربت منه أكثر و فجأة إلتفت الي وكانت عيناه مملوءة بالدموع! امسكته من يديه و قلت له: ماذا تفعل يا صغير. فقال: أكلم أمي! نضرت الى الحائط و قد كان متسخا بقلم اسود! فقلت: هل انت من فعل هذا بالحائط؟ فقال: لا انها أمي!! اشفقت عليه حقا من الواضح انه يشتاق الى امه كثيرا فقلت: لا تخف يا صغير لقد كان حادثا و قد انتهى كل شيء الآن. و قريبا سوف تعود الى والدك.
نظر الي بعينين مشفقتين ثم قال: امي غاضبة جدا!! قلت له: امك في مكان احسن و كما قلت لك سوف ترى والدك قريبا.
جذبته الى السرير و طلبت منه ان ينام فقد تأخر الوقت. لم استطع مقاومة النوم من شدة تعبي و مع أني كنت أفكر في شغلي الذي قصرت فيه هذه الفترة و كل خوفي أن يتم طردي منه.
استيقضت على صوت دقات باب الغرفة التفت حولي و وجدت الفتى يغط في نوم عميق. فتحت الباب و خرجت فوجدت اياد ينتظرني في غرفة الجلوس و قد كان مهموما. قلت: صباح الخير هل طلبتني في شيء؟ خرجت منه تنهيدة قوية كأنه يحمل هموم الدنيا! ثم قال: أنا خائف! لقد سمعت البارحة أصواتا غريبة في غرفتي و عندما صحوت و جدت رسوما على حائطي بقلم أسود لكنني لم أفهم معناها!
التفتت الى غرفتي! أيكون الفتى قد دخل غرفة اياد و لوث الحائط كما فعل في غرفتي! لابد انه قد مل من الجلوس في البيت فراح يرسم على الجدران! لكنني لا أستطيع أن أخبر إياد بوجوده فقد يفتعل لي مشكلة و أنا لا وقت لدي للنقاش اليوم. فقلت له : لقد نمت نوما عميقا و لم أسمع أي أصوات غريبة ثم ان الحائط لم يكن نظيفا من قبل و أضفت: يبدو أن الحادثة قد أثرت على أعصابك و يبدو أنك لم تنم ليلة البارحة أنصحك بالراحة اليوم.
يجب علي أن اذهب لشغلي والا فسوف أطرد قريبا.
نظر الي اياد و في عينيه خوف شديد لم أعهده هكذا من قبل فقد كان دائما ذلك الشجاع الذي يفتري على الناس و يفتعل المشاكل.
دخلت غرفتي لأغير ملابسي قبل الخروج ووجدت الفتى مازال يغط في نوم و ضعت الى جانبه بعض الأكل ثم غادرت. وصلت الى الشغل وكان المدير قد سأل عني ألف مرة اتجهت نحوه و أخبرته عن ضروفي و عن الحادث الذي حصل في شقتنا لكنه لم يبالي و هددني بالطرد اذا ما تأخرت ثانية. يال شقائي!
أخذت طلبات البيتزا و رحت أوزعها من بيت للآخر و كل مرة أزور فيها بيوتا جميلة أتمنى لو انني من أصحابها و أتخيل كم هو جميل لو أتخلص من هذا الشقاء. كان اليوم طويلا و كان لدي شغل كثير حتى أعوض ما فاتني من ساعات العمل. لم أفطن الى الهاتف الا بعد ساعة متأخرة من المساء فوجدت ان إياد قد إتصل بي فوق العشرين مرة!!
وجدت رسالة صوتية قد تركها: أين انت؟ أرجوك ان تأتي فورا هناك أصوات غريبة تخرج من غرفتك! كان صوته يختنق من شدة الذعر!!شعرت بالقلق و رحت أتصل به لكنه لم يجب! ماذا أفعل الآن فأنا لا أستطيع أن أترك الشغل هذا اليوم بالذات! جعلت أتصل به مرارا لكنه لم يجب! ليس بيدي شيء غير انني أواصل شغلي فلابد انه مازال متأثرا بحادثة عامر فقد كانا صديقين مقربين.
أنهيت الشغل في ساعة متأخرة من الليل و رحت أتصل بإياد ثانية و أخيرا أجاب هذه المرة فقلت: هل أنت بخير؟؟ لقد أفزعتني..
كان الصمت يسود المكالمة ثم قال بصوت خافت: انا بخير. فأضفت : لماذا تتصل بي و انت تعلم انني في الشغل يا اياد عليك ان تتمالك نفسك قليلا و ان لا تتوهم اشياء. فقال بكل هدوء: اين انت؟ لقد تأخر الوقت.
شعرت أنه قد صار احسن مما كان عليه في الصباح ففكرت أن أخبره بأن لدي ولد في الغرفة حتى يتفقده اذا ما يحتاج شيء فقد تأخرت عليه فعلا و أخاف ان يكون قد شعر بجوع. فقلت: اياد ارجوا ان لا تغضب مني فقد جلبت معي ولد صغير هو ابن صديق لي و هو في غرفتي و ربما هو من كان يلعب في الغرفة و تخيل لك انك تستمع اصواتا ارجوا منك المعذرة لكنه سوف يغادر في الغد. قاطعني اياد و هو يقول بكل غظب: عن اي ولد تتحدث؟ فقلت له: سوف تجد مفتاح غرفتي في رف المطبخ الاعلى افتح له الغرفة ارجوك فقد يكون قد شعر بالملل او الجوع. و سمعت اياد يتحرك و هو يتمتم: عن اي ولد يتحث هذا! ثم اضاف حسنا سوف افتح الغرفة ثم أضاف: لا يوجد احد هنا! عن اي ولد تتحدث! و فجأة صرخ اياد بكل قوة و انقطع الإتصال! حاولت الإتصال مجددا لكنه لم يجب!!!!
انطلقت بسرعة نحو البيت! لم أفهم مالذي حصل و لماذا لم يجد إياد الفتى في غرفتي!! أيكون قد خرج و لم ينتبه له!! يا لها من ورطة! كان علي أن ابقى في البيت! و صلت اخيرا و صعدت الشقة بكل سرعتي رحت ابحث عن المفتاح لكنه ليس في جيبي! ماهذا الحظ لابد انني نسيته في السيارة فنزلت مجددا بكل سرعة فتحت السيارة وجدت مفتاح الشقة و هممت بالرجوع بسرعة و فجأة دوى صوت انكسار زجاج من فوق و سقط من النافذة شخص ووقع على الطريق!
تجمع الناس من كل جانب و امتلأ الشارع أمام عمارتنا و اقتربت لأرى فإذا به إياد!!! لقد كان وجهه ملطخا بالدماء و عيناه مفتوحتان على وسعهما انها نفس نظرة الرعب التي كانت تملأ وجه عمار بالأمس!!!!
ركضت بكل سرعتي للأعلى لأتفقد الولد! فقد فقدت أعصابي و لم أعد أحتمل أن يحصل له شيء هو الآخر. دخلت الشقة اتجهت نحو غرفتي لكنه لم يكن هناك!! بحثت في كل الشقة لكنني لم أجده!!! ابتدأ قلبي يخفق بسرعة رهيبة! أين يمكن أن يكون قد ذهب فهو ولد صغير و الوقت متأخر جدا!! مالذي حصل هنا! لم أستوعب شيئا لقد كانت جدران الشقة كلها مغطاة برسوم عجيبة!! هل يكون الفتى ثانية!
دخلت غرفة إياد و كانت ساقاي قد شلتا من هول الصدمة! كانت الفوضى تعم غرفته و كأن أحدا قد كسر كل ركن فيها! و كانت النافذة مفتوحة اقتربت من النافذة و نظرت الى ذلك المشهد المريب! إياد ممددا على الطريق ملطخا بالدماء و الناس من حوله! فجأة دخلت الشرطة و لم أشعر إلا بيدي مقيدتان في حديد!! ثم عم الظلام رأسي و لم أعد قادرا على الوقوف!!