لم تكن ريما تتوقع أن تتغير حياتها فجأة من حياة مملة وروتينية الى كابوس لا تعرف متى سوف ينتهي. ريما فتاة في السادسة و العشرين من العمر. عادية المظهر طويلة القامة قصيرة الشعر نحيفة بسيطة الملامح و الطباع. كل من يراها او يعرفها يشيد باخلاقها و تواضعها. تخرجت ريما من الجامعة منذ سنتين و هي الآن مدرسة لغة عربية في احدى المدارس بالعاصمة. كانت محظوظة بهذه الوظيفة لقربها من منزل والديها فكانت كل حياتها مقتصرة على الذهاب الى العمل و الرجوع الى البيت وًمساعدة والدتها في أعمال البيت. الى أن جاء ذلك اليوم الذي تغيرت فيه حياتها.
كانت الساعة الثالثة والنصف بعد الزوال من يوم صيفي مشمس. كانت ريما تختم درسها لتودع الطلاب قبل العطلة الصيفية متمنية لهم قضاء عطلة ممتعة و الى لقاء قريب في السنة المقبلة. حينها دخل السيد حسام للفصل ليدعو ريما للقاء المدير بعد انتهاء الحصة. توجهت ريما الى مكتب المدير و كانت تتصبب عرقا من شدة الحر في ذلك اليوم. طرقت الباب فسمعت صوت المدير ينادي اسمها و يرجوها بالدخول و الجلوس. مضت دقيقتان من الصمت بينهما و لاحظت ريما الارتباك على وجه السيد أحمد الذي كان يبحث وسط أوراقه عن شيء ما و كأنه يبحث عن مقدمة لما سيقوله لريما. ثم توقف فجأة عن البحث و قال دون أن ينظر الى وجه ريما: لقد وصلتنا قرارات جديدة من الوزارة و منها قرار تعيينك في مدرسة جديدة للسنة المقبلة. ثم رفع عينيه ليشاهد الصدمة على وجه ريما التي لم تستوعب جيدا هذا القرار فقالت: هذا شيء مفاجى فعلا، فقد ظننت انني اقوم بوظيفتي على شكل جيد و لم اتوقع ان يتم نقلي بهذه السرعة. هل هناك مشكلة ما؟ اجاب السيد أحمد و قد شرع مجددا في البحث بين الأوراق: لا أبدا. انتي من أكفأ المدرسين الذين مروا بهذه المدرسة و ربما لذلك تم ترشيحك لهذه الوظيفة الجديدة. ثم تنفس بعمق و هو يقول: اه وجدتها. و اشار الى ريما قائلا: تفضلي هذا هو قرار نقلك لقد وصل منذ ايام لكنني فضلت ان تنهي دروس فصلك قبل أن أخبرك.
رفعت ريما يدها الى شعرها القصير الحريري في حركة لتصفيفه الى جانب وجهها قبل أن تأخذ الورقة من المدير و تبدأ في قرائتها. كان السيد أحمد ينظر من وراء نظاراته الصغيرة الى وجه ريما و كأنه ينتظر أمرا ما. ثم قال: انها مدرسة جديدة و هم بحاجة الى مدرسة متميزة مثلك.قد تبدو لك مشكلة في السفر و العيش في قرية صغيرة لكنك سوف تغيرين نمط حياتك و تكتشفين اماكن جديدة و هذا شيء جيد فأنت مازلت في ريعان شبابك و المغامرة شيء مطلوب في حياة الشباب.
لم تكن ريما تستمع الى كلام السيد أحمد فقد اصابها الذهول من وقع الخبر. فقالت بصوت مرتعش: قرية الخياطة! لم أسمع عن هذا المكان من قبل! ثم رفعت ريما عينيها لتجد السيد أحمد مرتبكا و العرق يتصبب من وجهه ثم وقف و تحول من وراء مكتبه لينظر من نافذته المطلة على ساحة المدرسة ثم قال بصوت يغلب عليه التردد: انها قرية صغيرة تبعد حوالي 200 كلم عن العاصمة يمكنك اذن قضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أهلك فالمسافة ليست بعيدة بالسيارة ثم ان الناس هناك طيبون و سوف ت.. قاطعته ريما بصوت حاد: لكنني لا اريد ان ابتعد عن اهلي و لا عن العاصمة! هل لي ان ارفض في هذا القرار؟ استطرد السيد احمد و اشار براسه ناهيا: لا هذا قرار وزاري عليك تنفيذه و ان رفضتي فسوف تتوقفين عن العمل. حسنا! اضافت ريما بكل حذر: سوف افكر في الأمر. التفت السيد أحمد و هو يقول: لك ذلك.